المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
آراء وخبرات

ما الذي يحمله الغد لنا حول الاستدامة؟

للوصول إلى أهداف الاستدامة التي تم تحديدها عالمياً، يجب أن يصل الابتكار عبر سلسلة القيمة بأكملها ليشمل نماذج أعمال واستراتيجيات جديدة للوصول إلى السوق وتحقيق التعاون والابتكار المشترك.

بقلم


money

أنطونيو بيتري، الرئيس والمدير التنفيذي لدى آسبن تكنولوجي (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

في العام الماضي، تم الترحيب بمؤتمر كوب 27 على أنه "مؤتمر الأطراف للتنفيذ" الذي أجمع فيه العالم بأسره على ضرورة التركيز على خطوات ملموسة يتم اتخاذها للوصول إلى مستقبل مستدام.

في أقل من ستة أشهر، سيجتمع العالم مرة أخرى ولكن هذه المرة في دبي، ضمن فعاليات مؤتمر أطراف المناخ كوب 28، ومن الواضح أننا نواجه الآن لحظة محورية تتطلب جهداً جماعياً ومتضافراً نأمل من خلالها الوصول إلى اقتصاد منخفض الكربون أو خالٍ من الكربون.

الأمر الذي أكده الرئيس المعين لمؤتمر الأطراف، سلطان بن أحمد الجابر، في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ كوب 28 خلال أسبوع المناخ الإماراتي عندما قال: "نحن بحاجة إلى إعادة تصور العلاقة بين منتجي الطاقة والمستهلكين الصناعيين، من علاقة قائمة على العرض والطلب فقط إلى علاقة ترتكز بشكل أساسي على إنشاء مستقبل واعد، من خلال إنشاء شراكة فاعلة ونشطة بين أكبر منتجي الطاقة وأكبر المستهلكين الصناعيين، وشركات التكنولوجيا، والمجتمع المالي والحكومات إلى جانب المجتمع المدني. بالعمل معاً، سيكون هدفنا انتقالاً سريعاً وعملياً وعادلاً للطاقة لا يترك أحداً وراء الركب، ولا سيما في جنوب الكرة الأرضية. باختصار، يجب أن يكون هدفنا كبح جماح الانبعاثات الكربونية وليس تحقيق التقدم فحسب".

يرتكز هذا الأمر على سؤالين رئيسيين بالنسبة للصناعات كثيفة الأصول هما: كيف تعمل الشركات لمواجهة التحدي المزدوج المتمثل في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة والموارد مع الحفاظ على وعود الاستدامة؟ وما هي الخطوات التي تتخذها الشركات اليوم عند الشروع في رحلة انتقال الطاقة؟

للوصول إلى أهداف الاستدامة التي تم تحديدها عالمياً، يجب أن يصل الابتكار عبر سلسلة القيمة بأكملها ليشمل نماذج أعمال واستراتيجيات جديدة للوصول إلى السوق وتحقيق التعاون والابتكار المشترك.

على المدى القريب، ليس ثمة شك في أن التقنيات الرقمية يمكن أن تقدم فوائد استدامة كبيرة. حيث تساعد تدابير كفاءة الطاقة، مثل ضوابط العمليات المتقدمة والنمذجة الرقمية المزدوجة وإدارة سلسلة التوريد والمزيد غيرها، الشركات على استخلاص أقصى قدر من الكفاءة من أصول التشغيل الحالية مع تقليل الانبعاثات.

الفوائد تصل إلى ما هو أبعد من زيادة الكفاءة. حيث تسهل أدوات النمذجة والمحاكاة المتقدمة على الشركات اختبار وتحديد أكثر العمليات كفاءة واقتصادية وقابلية للتوسع لإنتاج الهيدروجين الأخضر، أو استخدام الكربون وتخزينه قبل القيام باستثمارات رأسمالية باهظة الثمن. كما يمكن أن تساعد نماذج الاستدامة أيضاً في تحفيز الجهود عبر مجموعة من أهداف الاستدامة، بدءاً من إدارة الانبعاثات وصولاً إلى استخدام الطاقة المتجددة وغيرها المزيد.

في حالات أخرى، تساعد حلول الصيانة القائمة على الذكاء الاصطناعي الشركات على توقع الأعطال قبل حدوثها، وتجنب فترات التوقف المكلفة، وبالتالي تجنب الانبعاثات المرتبطة بعمليات الإغلاق في حالات الطوارئ. إلى جانب ذلك تسهم سلاسل التوريد الرقمية في الحفاظ على إمدادات مستقرة من المواد الخام مع تقليل الانبعاثات أيضاً، ناهيك عن دور برنامج إدارة الشبكة الرقمية الذي يعمل على تبسيط عملية دمج الطاقات المتجددة ضمن دورة إمدادات الطاقة.

يستكشف عدد متزايد من الشركات أيضاً خيارات تقنية جديدة. في وقت سابق من هذا العام، أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" عن خطط لتخصيص 15 مليار دولار لمشاريع إزالة الكربون، بما فيها الاستثمارات في الطاقة النظيفة وعمليات احتجاز الكربون وتخزينه والاعتماد المتزايد على الطاقة الكهربائية بحلول عام 2030.

ووفقاً لبلومبرغ، بلغ الاستثمار العالمي في التقنيات منخفضة الكربون 755 مليار دولار في عام 2021، وتضاعف الإنفاق على التقاط الكربون أكثر من الضعف من عام 2022 إلى عام 2023، إلى مستوى قياسي بلغ 6.4 مليارات دولار. وبزيادات مماثلة شهدها كل من الوقود الحيوي واقتصاد الهيدروجين، وصل استثمار الوقود الحيوي إلى أكثر من 8 مليارات دولار في عام 2021، وذلك وفقاً لتقرير وكالة الطاقة الدولية، بينما توقعت دراسة للبنك الدولي أن تنمو سوق إنتاج الهيدروجين بأكثر من 9% حتى عام 2030.

كما شهد قطاع الطاقة الكهربائية نمواً كبيراً بلغ ما يقارب 73.6 مليار دولار في عام 2022، لأن الشركات تتجه بشكل متزايد إلى مصادر الطاقة المتجددة لتقليل الانبعاثات الكربونية. ومن المتوقع أن يستمر على هذا النحو لتبلغ القيمة السوقية إلى ما يقرب من 174 مليار دولار بحلول عام 2032، وفقاً لدراسة أجرتها شركة بريسيدنس ريسيرش (Precedence Research).

مع استمرار نمو هذه التقنيات، ستلعب أدوات المحاكاة الرقمية ونمذجة المخاطر على مستوى الأنظمة أدواراً رئيسية في تطويرها، من خلال السماح للمؤسسات بتقييم خيارات المعالجة المختلفة وتحديد الحلول الأكثر جدوى اقتصادياً في المستقبل.

مع استمرارية التكنولوجيا الرقمية في خلق القيمة، ستكون ضرورية أيضاً لتحقيق أهداف الاستدامة، ويجب أن تكون مصحوبة بطرق جديدة تواكب الأعمال التجارية.

في الشرق الأوسط، بدأت شركات مثل أرامكو بالفعل في متابعة هذه الابتكارات؛ حيث طورت الشركة، بالتعاون مع المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتكنولوجيا، تقنية جديدة تعمل على تحسين تقنية التقاط الكربون واستخدامه (CCU). يوجد في قلب النظام خوارزمية تحلل النواحي الاقتصادية وقيود تصميم العمليات وعمليات خفض ثاني أكسيد الكربون الذي تم تحقيقه باستخدام تقنيات احتجاز الكربون المختلفة، ما يتيح للشركات تحديد وتنفيذ أكثر الأساليب الواعدة.

ومن أجل تحقيق الأمثل من هذه التقنية، اتبعت أرامكو نهجاً فريداً؛ حيث قامت بترخيص استخدامها من قبل شركة برمجيات صناعية كجزء من حل نمذجة وتحسين متكامل سيسمح للصناعات كثيفة الأصول بتطوير حلول عملية واقتصادية لاحتجاز الكربون.

ومع ذلك، فإن الشركات الدولية مثل أرامكو ليست وحدها في البحث عن طرق جديدة للقيام بأعمال تجارية، فقد جذبت الشركات الناشئة التي تركز على الاستدامة تمويل المستثمرين بالمليارات؛ ففي عام 2021 وحده، تم استثمار أكثر من 8.8 مليارات يورو (9.7 مليارات دولار) في شركات الاستدامة الأوروبية الناشئة، مع استثمار مليارات أخرى حول العالم.

إلى جانب نماذج الأعمال الجديدة واستراتيجيات الابتكار المشترك، يجب على الشركات أيضاً تكريس طاقتها لتحقيق التميز التنظيمي، من خلال الاستثمار في المواهب وبناء برامج التدريب وإنشاء أفضل الممارسات، بهدف جذب العمال ذوي المهارات العالية والحفاظ عليهم.

ولأن القوى العاملة تخضع لتغيّر سريع في السنوات القادمة، سيكون بناء تلك الكفاءات والمهارات الداخلية أمراً بالغ الأهمية لضمان قدرة الموظفين والمؤسسات على تبني تقنيات جديدة والتكيّف مع نماذج الأعمال الجديدة التي ستساعد في دفع الربحية وتحقيق أهداف الاستدامة في السنوات القادمة.

إن الصناعات كثيفة الأصول هي جزء لا يتجزأ من حياتنا الحديثة. لذا فإن إعادة صياغة تركيبة العمل القائمة حالياً لتحقيق مستقبل أكثر استدامة ليست بالأمر السهل، أو أمراً يحدث بين عشية وضحاها، ولكنها تتطلب التفاني والإبداع والاستعداد لدفع حدود التكنولوجيا والأعمال إلى أقصى حد.

وبينما نترقب ما سيحمله لنا مؤتمر كوب 28، ما يزال العالم يملك فرصة لا لبس فيها، فرصة تمكننا من أن نجتمع ونعمل معاً لإيجاد طرق جديدة لخلق مستقبل مستدام للجميع.


image
image