المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
آراء وخبرات

ما الذي ينتظرنا في نهاية الطريق نحو كوب 28؟

إن قطاع الطاقة يحتاج إلى تطبيق أفضل الممارسات للوصول إلى صافي انبعاثات صفري من غاز الميثان بحلول عام 2030، وعلينا أن نحرص على رصد التقدم، وقياس حجمه، والتحقق منه في كل خطوة على الطريق.

بقلم


money

أنطونيو بيتري، الرئيس والمدير التنفيذي لدى "آسبن تكنولوجي" (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

في الأشهر القليلة الماضية، شهدت المنطقة العديد من المؤتمرات والمعارض المتعلقة بالمناخ وقطاع الطاقة؛ بدءاً من مؤتمر ومعرض أديبك 2022، مروراً بمؤتمر أطراف المناخ بنسخته الـ 27 كوب 27 في مصر، وصولاً لمؤتمر ومعرض النفط والغاز "إيجبس 2023" في فبراير/شباط الماضي. كان للقمم الثلاثة رسالة مشتركة مفادها أن الصناعات كثيفة الأصول ستلعب دوراً رئيسياً في دفع الابتكارات التي تقود العالم نحو مستقبل مستدام.

وعلى الرغم من أننا على بعد أشهر من انعقاد أولى جلسات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ كوب 28، فقد عينت الإمارات العربية المتحدة، الدولة المستضيفة للمؤتمر، المبعوث الخاص لدولة الإمارات للتغير المناخي والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، سلطان بن أحمد الجابر، رئيساً لهذه الدورة، وقد اعتُبر قراراً جريئاً.

فخلال خطابه الأخير ضمن فعاليات أسبوع سيرا في هيوستن في مارس/آذار الماضي، ركز الجابر على التزام كل شركة في قطاع النفط بأهداف الاستدامة، قائلاً: "نحن نحتاج إلى مشاركة الجميع إذا كنّا جادّين في تحقيق النقلة النوعية التي يحتاج إليها العالم، فتغير المناخ تحدٍ عالمي يتطلب حلولاً عالمية يسهم فيها جميع المعنيين الذين عليهم العمل باتحادٍ وتكاتف. ولقِطاع الطاقة خاصةً دور مهم في هذه الحلول".

وتابع الجابر قوله: "إن قطاع الطاقة يحتاج إلى تطبيق أفضل الممارسات للوصول إلى صافي انبعاثات صفري من غاز الميثان بحلول عام 2030، وعلينا أن نحرص على رصد التقدم، وقياس حجمه، والتحقق منه في كل خطوة على الطريق. ونحتاج إلى استخدام الكهرباء لتشغيل عملياتنا، وتجهيز المرافق بتقنية التقاط الكربون وتخزينه، واستخدام جميع التقنيات المتاحة لرفع الكفاءة".

تم دعم هذا الرأي في وقت سابق من هذا العام من خلال تقرير نشرته وكالة الطاقة الدولية حمل عنوان "آفاق تكنولوجيا الطاقة لعام 2023"، والذي يقدم نظرة عامة عالمية على تصنيع تكنولوجيا الطاقة النظيفة وكيف يمكن أن يتطور القطاع في المستقبل. ويتنبأ التقرير بأن العالم على أعتاب عصر صناعي جديد؛ "عصر التصنيع التكنولوجي النظيف".

وأشارت الوكالة في تقريرها إلى أن السوق العالمية المتعلقة بتقنيات الطاقة النظيفة الرئيسية المصنعة بكميات كبيرة سترتفع قيمتها بنحو ثلاثة أضعاف لتصل إلى ما يقارب 650 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. سيؤدي هذا النمو إلى انفجار في وظائف تصنيع الطاقة النظيفة خلال نفس الفترة، إذ من المتوقع أن يرتفع عدد الوظائف من 6 ملايين في يومنا هذا ليبلغ ما يقرب من 14 مليوناً بحلول 2030.

وبالنظر إلى منطقة الشرق الأوسط، فسرعان ما أصبحت شركات النفط العملاقة، مثل أدنوك وأرامكو، رائدة في تبني وتطوير أحدث التقنيات التي تهدف لتقليل الانبعاثات الكربونية. ففي الأشهر الأخيرة، دخلت أرامكو في شراكة استراتيجية مع شركة آسبن تكنولوجي لتقديم حل فريد من نوعه لإجراء عمليات النمذجة والمحاكاة من أجل تحسين عمليات التقاط الكربون وإعادة استخدامه في الصناعة، ما يمكّن الشركات في الصناعات كثيفة الأصول (أي صناعات البتروكيماويات والنفط والغاز) من تحديد مسارات التقاط الكربون وإعادة استخدامه مع مراعاة الناحيتين الاقتصادية والعملية. إلى جانب ذلك، بدأت أدنوك مؤخراً العمل على مشروع لحقن ثاني أكسيد الكربون المحتجز في طبقة المياه الجوفية المالحة.

مثل هذا الابتكارات، إلى جانب التمويل من قبل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تمكّن المنطقة من توفير حلول إزالة الكربون وتخزينه، والتي قد لا تقتصر فقط على منطقة الشرق الأوسط وإنما تستخدم على نطاق عالمي.

إنّ الصناعات كثيفة الأصول قد اتخذت إجراءات مهمة لتصبح أكثر استدامة في العقود الأخيرة -من خلال تقليل الانبعاثات وزيادة كفاءة الطاقة وتقليل النفايات- ولكن هذه الخطوات هي بداية الرحلة وليست النهاية.

في الأشهر التي تلت مؤتمر كوب 27، عادت المحادثات والمناقشات إلى طرح سؤال أساسي وهو: كيف يمكن للشركات الصناعية تلبية الطلبات المتزايدة على الطاقة مع تحقيق أقل انبعاثات كربونية واستخدام الموارد بكفاءة عالية؟

لا توجد إجابة واحدة تناسب الجميع عن هذا السؤال، إلا أنه من الواضح أن مسار الاستدامة الذي يسلكه الجميع سيعتمد بشكل كبير على القدرات والثقافة الفريدة لكل مؤسسة، فالرقمنة ستلعب دوراً حاسماً في هذا التحول.

حددت الشركات العديد من الاستراتيجيات التي يمكن تنفيذها للمساعدة في زيادة الكفاءة وتقليل الانبعاثات من الأصول الحالية ومساعدة الصناعات على التكيّف مع مجموعة واسعة من خيارات الطاقة. توفر هذه الأساليب مساراً للشركات لزيادة الاستدامة دون المساس بالربحية.

قبل أي شيء، تحتاج الشركات إلى البدء بفهم موقعها الأولي قبل البدء في أي جهود لخفض الانبعاثات. فمن المهم أن تضع الشركات خط أساس يمكن استخدامه لتحديد مجالات العمل المحتمل والتي بدورها توفر للمشغلين والمدراء التنفيذيين رؤية عميقة ومحددة عبر اتساع عملياتهم وعمقها، ما يسمح لهم باتخاذ قرارات أفضل وأكثر استنارة.

يتطلع العديد من الشركات إلى الاعتماد المتزايد على الطاقة الكهربائية كمسار لمعالجة الطلب المتزايد على الطاقة مع تحقيق أهداف صافي انبعاثات أيضاً. فالمصادر المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، هي المصادر الأسرع نمواً للكهرباء في جميع أنحاء العالم، إلا أنه ما تزال هناك تحديات مرافقة لهذا القطاع، ويرجع ذلك -إلى حد كبير- إلى إنتاجها المتغير وصعوبة التوفيق بين العرض والطلب. إضافة إلى هذه التحديات، فإن انتشار موارد الطاقة الموزعة (Distributed Energy Resources - DERs)، مثل الألواح الشمسية في المنازل والشركات، يعني أن ملايين المستهلكين أصبحوا الآن منتجين للطاقة.

وفي المضي قدماً، ستلعب الرقمنة دوراً رئيسياً في ضمان قدرة المرافق على إدارة هذا النظام المعقد لتوليد الطاقة وتوزيعها. 

وصحيح أن التقنيات الجديدة تحمل وعوداً كبيرة للاستدامة، إلا أنه من الضروري أيضاً للشركات استخراج الكفاءة وتقليل الانبعاثات من الأنظمة الحالية. يمكن أن يكون لتدابير كفاءة الطاقة، عند اقترانها بزيادة نشر مصادر الطاقة المتجددة، تأثير كبير على الانبعاثات، ما يجعل التكنولوجيا لا غنى عنها للوصول إلى أهداف ذات انبعاثات صفرية. يمكن أن تساعد حلول الرقمنة، مثل عناصر التحكم المتقدمة في العمليات والنمذجة الرقمية المزدوجة، الأصول الحالية في الوصول إلى مستويات جديدة من الكفاءة.

كما يمكن أن تساعد حلول الصيانة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي الشركات في تحديد الأعطال المحتملة قبل حدوثها، ما يقلل المخاطر التي يتعرض لها العمال، فضلاً عن المساعدة في تجنب عمليات الإغلاق الطارئة التي قد تؤدي إلى انبعاثات كبيرة للغازات الضارة. وفي الوقت نفسه، قد تساعد حلول "سلاسل التوريد الرقمية" الشركات في التغلب على حالة عدم الاستقرار في توريد المواد الخام، بينما يمكن للشبكات الصغيرة والحلول الكهربائية الأخرى ضمان المرونة في إمدادات الطاقة مع السماح للشركات أيضاً بتحسين كفاءة الطاقة واستهلاكها.

وبما أنّ العديد من الشركات تستكشف خيارات تقنية جديدة، مثل استخدام الكربون وتخزينه (Carbon capture, utilisation & storage - CCUS) أو الاقتصاد الدائري، في جهودها للوصول إلى أهداف الاستدامة، أصبحت المحاكاة ونمذجة المخاطر على مستوى الأنظمة أداتين حاسمتين للمساعدة في تقييم خيارات العمليات المختلفة وتحديد أكثر الحلول المجدية اقتصادياً في المستقبل. بينما تؤدي التكنولوجيا دوراً رئيسياً في المستقبل، يجب على المؤسسات أيضاً تكريس طاقتها لتحقيق التميز التنظيمي من خلال الاستثمار في المواهب وبناء برامج التدريب ووضع أفضل الممارسات لضمان قدرتها على جذب العمال ذوي المهارات العالية والاحتفاظ بهم.

عندما أطلق على مؤتمر كوب 27 في العام الماضي اسم "مؤتمر الأطراف للتنفيذ"، بدأ المؤتمر في تحديد معالم الطريق نحو المستقبل، وقدم بعض الإرشادات من أجل التكاتف معاً لجعل العالم مكاناً أكثر خضرة واستدامة. ومع بدء فعاليات مؤتمر كوب 28 في أقل من تسعة أشهر، آن الأوان للبدء بالعمل؛ فالوقت لم يعد في صالحنا.


image
image