المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
آراء وخبرات

نظرة على مشهد الصناعة في ظل التوجه نحو المستقبل المستدام

أصبحت الصناعات تدرك أهمية الجهود الرامية نحو الاستدامة، وما تحمله من آثار بعيدة الأمد على تحسين المناخ العالمي، والصحة البشرية، وتحسين جودة الحياة حول العالم، فضلاً عن تعزيز سمعة العلامة التجارية الخاصة بهم.

بقلم


money

رشا حسنين، الرئيسة التنفيذية لقسم المنتجات والاستدامة لدى آسبن تكنولوجي (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

إن تنظيم الأداء لضمان ربحية عالية هو الهدف الأساسي الذي لطالما سعت الشركات لتحقيقه، وعلى الرغم من أن هذه الصورة أصبحت أكثر تعقيداً في السنوات الأخيرة مع ظهور الاستدامة بصفتها أولوية من أولويات الشركات، فإن الواقع هو أن الاستدامة كانت جزءاً من ثقافة الشركات لفترة طويلة. 

لطالما سعت الشركات في العديد من الصناعات الكثيفة الاستخدام للأصول إلى زيادة الكفاءة والحد من النفايات وإعادة التدوير؛ لجعل عملياتها أكثر كفاءة في خفض التكاليف وزيادة الربحية، وفي النتيجة كانت تلك التحسينات تسهم في تقليل انبعاثات المؤسسة، وبالتالي تحقيق الاستدامة. إلا أن التحسينات التي تطرأ على الربحية في المدى القصير، والتي كانت نتيجة تلك الجهود، لا تشكل إلا جزءاً بسيطاً فقط من المفهوم الشامل للاستدامة.

شهدنا في العقود الأخيرة صعود ظاهرة التغيرات المناخية وتَصدُّرِها للمشهد العام باعتبارها أكبر تحدّ يواجه العالم. وقد أصبحت الصناعات تدرك أهمية الجهود الرامية نحو الاستدامة، وما تحمله من آثار بعيدة الأمد على تحسين المناخ العالمي، والصحة البشرية، وتحسين جودة الحياة حول العالم، فضلاً عن تعزيز سمعة العلامة التجارية الخاصة بهم. ومع أنه من الصعب أن يتم حساب التأثير الاقتصادي لتلك الجهود المستدامة طويلة المدى في البيانات المالية، إلا أن هذه الجهود من المهم أن تستمر طالما لا يزال لدينا الوقت لتجنب التأثيرات المباشرة لتغير المناخ.

هناك العديد من المسارات التي يمكن للشركات اتباعها في بذل هذه الجهود؛ بدءاً من اعتماد التقنيات الرقمية القريبة الأمد، مثل تحسين العمليات، وزيادة كفاءة الطاقة، وغيرها، والتي يمكن أن تساعد الشركات على تسريع جهودها في مجال الاستدامة.

وعلى الرغم من أن دورة حياة الابتكار لتلك الحلول قصيرة نسبياً، فإنها تتيح للشركات تحقيق نتائج فورية في مجال الاستدامة، وتساعدها في العمل خلف الكواليس لمواجهة التحديات التكنولوجية التي لا تزال قائمة لتقنيات المستقبل من خلال ما تقدمه من حلول مثل احتجاز الكربون، وتقنيات إعادة التدوير المتقدمة، واقتصاد الهيدروجين، وغيرها.

وبينما تواجه جميع الصناعات التي تعتمد على الأصول تحديات في تحقيق صافي الانبعاثات الصفري، قد تتفاوت هذه التحديات، نفسها أو في نطاق تأثيرها، على نحو واسع، إضافة إلى أنه قد تنتج عن بعض الصناعات، مثل إنتاج الصلب ووسائل النقل على المدى الطويل والشحن والطيران، تحديات فريدة من الصعب مواجهتها.

وعلى نقيض ما سبق؛ فإن بعض الصناعات، مثل الطاقة وورق الخشب والزراعة، قد أحرزت تقدماً كبيراً بالفعل في تحسين بصمتها الكربونية، وكان ذلك نتيجة لتسارع الجهود المبذولة في اعتماد التقنيات الحديثة التي تساعد في تحقيق مكاسب مستدامة على المدى القريب، وما زال العمل مستمراً لإيجاد الحلول التي تساعد الصناعات الكثيفة الاستخدام للأصول في مواجهة التحديات التي يصعب التخلص منها.

تغييرات إدارية في المؤسسات للتركيز على الاستدامة

شهدت السنوات الأخيرة تصدُّر الاستدامة بصفتها أولوية للعديد من الشركات، ما أحدث جدلاً واسعاً حول موضوع اختيار الشخص المناسب لقيادة تلك الجهود. كان الحل هو إنشاء وظيفة متخصصة، مكرسة لتنسيق جهود الاستدامة عبر الشركة، ليبقى السجال قائماً حول كيفية تعامل الشركات مع قضايا الاستدامة، حيث كان من الصعب الحصول على حل واحد يناسب الجميع.

وعلى الرغم من إمكانية دمج تلك الوظيفة مع أدوار تنفيذية أخرى في الشركات الصغيرة، فمن الواضح أن الشركات، وخاصة ذات الأثر الكربوني الكبير، تدرك أهمية وجود صانع قرار تنفيذي يمكنه تقييم الفوائد القصيرة الأمد والطويلة الأمد لبرامج الاستدامة واتخاذ قرارات صعبة بشأن الاتجاه الذي يجب اتباعه.

التقدم في ثورة الذكاء الاصطناعي

على الرغم من أن التكنولوجيا كانت لفترة طويلة عاملاً رئيسياً في جهود الاستدامة للشركات، فإن زيادة نظم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها المتنوعة في السنوات الأخيرة أثارت اهتماماً واسع النطاق في وسائل الإعلام.

بالنسبة لشركة آسبن تكنولوجي، الذكاء الاصطناعي ليس أمراً جديداً؛ فقد تم دمج هذه التكنولوجيا في منتجاتنا لسنوات. وبينما يتطلع العالم إلى مستقبل من دون انبعاثات، فمن الواضح أننا لم نحقق التقدم الذي نطمح إليه، لكن هناك علامات تشجيعية.

في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اختتمت فعاليات مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين لتغير المناخ "كوب 28" باتفاق تاريخي يدعو إلى زيادة القدرة الإنتاجية لمصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة بحلول عام 2030، بالإضافة إلى تسريع الجهود للتخلص التدريجي من طاقة الفحم غير المحددة، وغيرها من التدابير للانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري. ومع ذلك، سيتطلب تحقيق هذه الأهداف أكثر من تدخل الحكومة وحده.

وما من شك في أن التغييرات في السياسة العامة ستساعد على دفع عملية التحول في مجال الطاقة، ولا يمكن التقليل من شأن دور القطاع الخاص. وستؤدي الشركات دوراً رئيسياً في تطوير حلول تعتمد على السوق لمواجهة تحديات الاستدامة، ومساعدة التكنولوجيا على النمو لتصبح كافية لاستبدال الوقود الأحفوري. وفي هذا السياق، كان من الملاحظ أيضاً أن مؤتمر الأطراف شهد هذا العام مشاركة مجموعة كبيرة من الصناعات والقطاع الخاص، وكانت هذه المشاركة هي الأولى من نوعها، ما يدل على الوعي الكبير الذي أصبح موجوداً بين شريحة كبيرة من المجتمع. 

التحدي اليوم هو أن حضارتنا بأكملها منظمة حول استخدام الوقود الأحفوري، ولا يمكن للعالم ببساطة أن يوقف هذا الصنبور دون عواقب كارثية محتملة من شأنها أن تعيد التنمية الاقتصادية العالمية إلى الوراء عقوداً من الزمن، وتزيد من حدة الفقر في جميع أنحاء العالم.

إن التحديات التي نواجهها لن تكون سهلة ولن يكون التغلب عليها سريعاً، لكن إذا كنا نريد تمكين الانتقال العادل والمنصف إلى الأمام، فإن التكنولوجيا الرقمية يجب أن تؤدي دوراً بينما نعمل على إعادة تنظيم العالم حول مصادر جديدة للطاقة.


image
image